أ. يقول القديس بولس الرسول فى مجال مقارنة ذبيحة الله مع ذبيحة الشيطان الوثنية "فاننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لاننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد" (1كو10 : 17). ولنا سؤال هنا لإخوتنا الأحباء : هل لو أتت جماعة من الناس برغيف خبز وأكلوه معا، هل يصيروا خبزا واحدا، ولو صاروا خبزا واحدا لأن الرغيف واحد فهل يصيروا جسدا واحدا. هذا لا يمكن فهمه سوى بأن الخبز الواحد الذى يجمع الجماعة كجسد واحد هو خبز الإفخارستيا جسد المسيح. ويقول فى الآية السابقة لهذه "كاس البركة التي نباركها اليست هي شركة دم المسيح. الخبز الذي نكسره اليس هو شركة جسد المسيح" فإن كانت هى شركة دم المسيح وشركة جسد المسيح، فمن أين أتت فكرة الرمز هنا. ولاحظ أن قول الرسول "نباركها" فهذه إشارة لكهنوته. فهو الذى يباركها وليس الشعب. وأيضا لاحظ قوله "انظروا اسرائيل حسب الجسد. اليس الذين ياكلون الذبائح هم شركاء المذبح" (1كو10 : 18). فذبيحة السلامة كانوا يأكلون منها كجماعة، وجزء منها يحرق على المذبح فيكونوا شركاء المذبح. أما الوثنيين فحينما يأكلون من الذبيحة المقدمة للأوثان فهم يصيرون شركاء الشياطين (1كو10 : 20). ويريد الرسول أن يشير لأن التناول من جسد الرب به نشترك معا ونشترك معه فى الذبيحة. ولذلك يسمى سر الإفخارستيا سر الشركة (Communion) كما يقول الرسول "شركة جسد المسيح وشركة دم المسيح" (1كو10 : 17) وكلمة شركة هى كينونيا باليونانية وتعنى الإتحاد.
ب. ولنضع أمام أعيننا أن أباء الكنيسة منذ أيام المسيح وحتى بداية البروتستانتية فهموا السر هكذا، وعاشوا به 16 قرنا من الزمان. فهل ترك الله الكنيسة مخدوعة كل هذا الزمان. ويقول البروتستانت أن هناك أقوال للمسيح يتم تفسيرها معنويا مثل "إن أعثرتك عينك فإقلعها"، والتناول من جسد الرب له نفس المعنى. ولكن الفيصل فى هذا أقوال الأباء وكيف فهمت الكنيسة هذا السر مدة 1600 سنة. ونرى أن المسيح حينما إنصرف عنه تلاميذه إذ عَلَّمَ بهذا السر لم يوقفهم ويقول لهم - أنتم لم تفهموا كلامى- فأنا أقول كلام معنوى - بل تركهم يمضوا، بل وإلتفت لتلاميذه الإثنى عشر وقال "إن أردتم أن تنصرفوا أنتم أيضا فإنصرفوا (يو6). ولم يسأل الإثنى عشر عن معنى القول فى البيت كما تعودوا حينما لا يفهموا شيئا، بل قبلوا التعليم كما هو (مت13 : 36). ويوم تأسيس السر لم يسألوا المسيح عن معنى قوله "كلوا جسدى وإشربوا دمى" بل تقبلوا هذا دون تساؤل فهم تقبلوا التعليم سابقا فى (يو6) يوم معجزة الخمسة ألاف.
ج. يتساءلون كيف يوجد جسد المسيح فى كل كنيسة فى العالم! لنتصور أن الشمس تدخل كل بيت حينما نفتح الشبابيك، شعاع يدخل كل بيت، نور الشمس يحل فى كل بيت. ولو تكسرت مرآة إلى ألاف القطع لظهرت صورة الشمس فى كل قطعة كما كانت تظهر فى المرآة الكاملة. وهكذا فى كل كنيسة هو نفس الجسد، بل كل جوهرة فى الصينية هى نفس الجسد. ومثل آخر لو كان هناك صهريج ماء يغذى مدينة، فكل من يفتح صنبور منزله يتدفق منه الماء، فيأخذ منه ماء ليشرب فيحيا. هكذا صار الصليب عبر القرون مصدر بركة وحياة وغفران للخطايا لكل الكنيسة. من تعليم نيافة الأنبا رافائيل : هناك قصة ضرب موسى للصخرة ليخرج منها ماء يروى الشعب فيحيوا، وكانت عصا موسى التى يضرب بها الصخرة هى رمز للصليب الذى صلب عليه المسيح (المسيح هو الصخرة 1كو10 : 4) لتنسكب على الكنيسة كل البركات. وأهم البركات هو إتحادنا بجسد المسيح، فيكون لنا حياة. والذى يثبتنا فى جسد المسيح هو الروح القدس ورمزه الماء المنسكب من الصخرة. وفى نهاية الرحلة طلب الرب من موسى أن يكلم الصخرة فينسكب الماء، ولم يفهم موسى وضرب الصخرة كما كان يفعل. وحزن الله إذ كان الله يقصد أن يشرح أن البركات وقوة الخلاص (غفران الخطايا والحياة الأبدية فى المسيح) ستستمر فى الكنيسة بالصلاة، فالمسيح لن يصلب سوى مرة واحدة. وبضرب موسى للصخرة أفسد موسى وسيلة الإيضاح. (ونلاحظ أن موسى لم يذكر موضوع ضرب الصخرة سوى مرة واحدة بينما هو كان يضرب صخرة فى أى مكان يحلوا فيه لينسكب الماء- وهذا إشارة لأن المسيح يصلب مرة واحدة). ولكن لاحظ أنه فى المرة الأولى : قال الرب لموسى أن يأخذ معه عصاه وشيوخ إسرائيل ويضرب الصخرة (خر17 : 5). وكان هذا رمزاً لأن رؤساء إسرائيل هم الذين سيصلبون الرب يسوع. بينما أنه فى المرة الأخيرة : فى نهاية الرحلة قال الرب لموسى خذ معك العصا وإجمع الجماعة أنت وهرون أخوك وكلما الصخرة ... فتخرج لهم ماء" (عد20 : 8). هذه المرة إحتاج الأمر لهرون رئيس الكهنة (رمزا للكهنوت فى الكنيسة) والعصا (هى إستمرارية فعل الصليب) وكل الجماعة (هو جمهور المصلين بالكنيسة) ويكلم الصخرة (صلاة القداس). وبهذا تنسكب علينا قوة الخلاص، والروح القدس يحول الخبز والخمر لنتحد بالمسيح لغفران الخطايا وليكون لنا حياة أبدية. *المرة الأولى :- ضرب فيها موسى الصخرة كانت إشارة لصلب اليهود للرب يسوع. أما المرة الثانية :- التى كان من المفروض فيها أن يكلم موسى الصخرة فهذه كانت إشارة لإستمرارية فعل الصليب بالقداس الإلهى. والقداس بنفس الطريقة يستلزم وجود كاهن (رمزه هرون فى قصة الصخرة) - وشعب لأن الإفخارستيا هى شركة الشعب فى جسد المسيح - والصلوات (كلما الصخرة) - أما وجود العصا مع موسى مع أنه لن يستخدمها فى ضرب الصخرة، فهذا يشير لإستمرارية فعل الصليب، بينما أن المسيح لن يصلب من جديد. فالمسيح كما رآه القديس يوحنا فى رؤياه "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5 : 6). وقوله قائم يعنى أن فعل القيامة مستمر وأنه هو حى أبديا، وقوله كأنه مذبوح فهذا يعنى أن فعل الصلب ما زال مستمراً. أى أن الفعلين مستمرين، وأن ما يقدم على المذبح المسيحى هو ذبيحة حية.
د. يقولون أن الحياة الأبدية هى بالإيمان بالإبن - ونقول لهم أليس من الإيمان أن نؤمن بالإبن وبكل ما يقوله الإبن - ومن ضمن ما قاله التناول من جسده. هناك تشبيه لطيف لنيافة الأنبا رافائيل. * مريض به مرض قاتل ولكنه لا يثق بالأطباء ولا يريد الذهاب لطبيب فإن هذا المريض سيموت = عدم الإيمان بالمسيح هو موت. * أقنعه أحد بأهمية الطبيب فإقتنع وذهب = المعمودية. * أعطاه الطبيب روشتة ليأخذ دواء معين، فأخذ الروشتة ومزقها، هنا أيضا سيموت = من لا يتناول الجسد والدم المحيين. وهذا الدواء الذى وصفه طبيب أرواحنا وأجسادنا هو التناول لنحيا، وهذا يستمر كل أيام حياتنا، ويظهر هذا من قول الرسول كلما وذلك فى قوله "فإنكم كلما أكلتم ..." (1كو11 : 26). فالمعمودية تناظر الولادة من بطن الأم وهذه مرة واحدة للإنسان. أما التناول فهو مثل الأكل اليومى.
يتساءل البعض - كيف يقدم المسيح جسده للتلاميذ وهو لم يصلب بعد؟
*أولا نقول أن الرب ما زال يقدم جسده ودمه وهو الآن فى مجد أبيه، ولكن قيل عنه فى السماء أنه "خروف قائم كأنه مذبوح".
*ثانيا المسيح فوق الزمن ليس عنده ماض وحاضر ومستقبل.
*ثالثا هذا ما قال عنه الرب "الجسد لا يفيد" أى لا تفكروا بطريقة جسدانية فالأمر يفوق التفكير البشرى.
*رابعا نقول بل كان هذا متعمدا، فالرب قدم لهم جسده قائلا "هذا الذى أبذله عنكم" وكان سوف يبذله على الصليب بعد ساعات قليلة. وبالصليب كمل سر الإفخارستيا. والمسيح أراد أن يقدم جسده فى حضوره وهو موجود معهم، وهذا يحدث للآن وإلى الأبد - فالمسيح حاضر وموجود فى الكنيسة ويقدم لنا جسده فى الإفخارستيا.
*خامسًا حين قال الرب "جسدى الذى أبذله .. دمى الذى يسفك" يقصد أن هذا سيكون بالصليب غدا. فالرب صنع سر الإفخارستيا ثم ذهب ليصلب، فالصليب هو جزء من سر الإفخارستيا، وبالصليب تم سر الإفخارستيا. لذلك نقول أنه لا إنفصال بين الصليب والإفخارستيا. لذلك نحن نفهم أن سر الإفخارستيا هو إستمرار للصليب، ليس هو تكرار للصليب بل إستمرار له. المسيح قدم نفسه على الصليب وفعل الصليب مستمر، لذلك وبعد القيامة يقول الملاك للمريمات "يسوع المصلوب" (مت28 : 5). فعل الصلب مستمر وأيضا فعل القيامة مستمر، ولذلك يقول القديس بولس الرسول "مدفونين معه فى المعمودية" (كو2 : 12) ويقول "أم تجهلون اننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما اقيم المسيح من الاموات، بمجد الآب، هكذا نسلك نحن ايضا في جدة الحياة؟ لانه ان كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير ايضا بقيامته. عالمين هذا: ان انساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية، كي لا نعود نستعبد ايضا للخطية. لان الذي مات قد تبرأ من الخطية. فان كنا قد متنا مع المسيح، نؤمن اننا سنحيا ايضا معه" (رو6 : 3 - 7). وهذا معناه أن المعمودية هى موت وقيامة مع المسيح. ففعل الموت والصلب مستمر وفعل القيامة مستمر. المسيح لم يستمر ميتا بل قام وصعد إلى السموات، لكن فعل الموت وفعل القيامة مستمرين للنهاية، هى أحداث مستمرة وممتدة فى تأثيرها. لذلك نحن فى المعمودية نموت ونقوم معه.
يقول نيافة الأنبا بنيامين مطران المنوفية "ربنا عنده حاضر دائم فيه كل الأحداث واحدة يراها كلها أمامه. ممكن يأخذ أمراً قبل الآخر. ليس هناك ماضى أو مستقبل بالنسبة له. المسيح أعطى التلاميذ الدم قبل أن يسفك دمه، وأعطاهم جسد القيامة قبل أن يموت، وهذا لأنه فوق الزمن"(وهذا معنى أن لا زمنى) تعبير فوق الزمن هذا لأن الله غير محدود ويعيش فى حاضر دائم. أى أن حدث الصليب حدث مرة ولكنه ممتد. ليس حدثا حدث فى لحظة معينة وإنتهى فى لحظة معينة، بل هو حدث فى لحظة معينة ولكنه لم ينتهى فى لحظة معينة. أى أن حدث الصليب حدث مرة ولكنه ممتد، إنتهى كحدث لكن تأثيره وفاعليته ممتدة. حدث الصليب ممتد من خلال القداس. لذلك نعتبر القداس إمتدادا حقيقيا للأحداث الخلاصية التى تممها السيد المسيح. ولذلك يسمى الذكرى. والمسيح يعطينا فى الإفخارستيا ليس جسدا لحميا بل جسده القائم من الأموات. لأنه لو أعطانا جسدا لحميا كجسدنا لكان قابلا للموت، ولكنه أعطانا جسدا له حياة أبدية حتى لا نموت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق